المصدر (أ ف ب)
اصبحت ارتريا مستقلة بعد ثلاثين عاماً من حرب العصابات ضد اثيوبيا. لكن بعد عشرين عاماً يرزح الارتريون تحت نير حكومتهم الذاتية التي جعلت من الدولة الفتية المطلة على البحر الاحمر احد اكثر الانظمة القمعية والمنغلقة في العالم.
فالحزب الواحد الحاكم، الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة، يسيطر على كل مرافق المجتمع حيث تحظر المعارضة والصحافة المستقلة، وكل شخص ينتقد الرئيس اسياس افورقي (67 عاما) الذي يحكم البلاد منذ اعلان استقلالها يسجن بدون محاكمة وغالباً في ظروف مريعة.
و"الامور تسير من سيء الى اسوأ" على ما قال لوكالة فرانس برس مواطن اريتري غادر البلاد مؤخرا على غرار عشرات الاف من مواطنيه.
وهذا الاريتري -الذي يرفض رغم لجوئه الى نيروبي، الكشف عن اسمه خوفا من اعمال انتقامية- هرب من حملات المطاردة التي تلت تمرد جنود سيطروا في كانون الثاني/يناير الماضي خلال ساعات على وزارة الاعلام قبل ان يستسلموا بدون اراقة دماء. وان كانت اسمرة خففت من اهمية هذا "الحادث المعزول" كما زعمت، فانه يبقى من اخطر النكسات التي واجهها النظام.
وقد سجن احد عشر من شخصيات الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة في مكان سري منذ ان طالبوا في 2001 ببدء العمل بالدستور الذي تم التصويت عليه في 1997 وباصلاحات ديموقراطية.
والصحافيون الذين نقلوا الخبر رافقوهم الى السجن وتم "تعليق" الصحف الخاصة منذ ذلك الحين. وفي نيسان/ابريل 1993 اختار الشعب بحماسة وبغالبية واسعة عبر استفتاء الانفصال عن اثيوبيا وبعد شهر من ذلك اعلنت اريتريا استقلالها.
وقبل ذلك بسنتين تحديدا، استولت الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بزعامة اسياس افورقي على اسمرة ما وضع حدا لحرب استقلال بدأت في العام 1961 وواجهت خلالها حركة التمرد الاريترية الصغيرة الجيش الاثيوبي المقتدر الذي كان فيما مضى مدعوما من الاتحاد السوفياتي.
ويوم الجمعة ستظهر الاحتفالات بمرور عشرين عاما على الاستقلال استمرار "روح المقاومة الشعبية في وجه المؤامرات الخارجية"، على ما قالت وسائل اعلام الدولة الوحيدة المسموح بها في هذا البلد الذي ينافس كوريا الشمالية على المرتبة الدنيا في سلم التصنيف المتعلق بحرية الصحافة.
الا ان الحماسة والبهجة التي عمت في العام 1993 تركت المكان ل"استياء متنام" و"انقسامات سياسية واجتماعية مستفحلة"، على ما قال سيدريك بارنز الباحث في مجموعة الازمات الدولية.
واسياس افورقي بطل الاستقلال ثم الزعيم الذي حظي بالاجلال خلال النزاع الحدودي الذي تواجهت فيه اريتريا واثيوبيا بين 1998 و 2000، فقد هالته بشكل ملفت.
وعبر صالح سروخ (67 عاما) الذي قاتل من اجل الاستقلال من 1968 الى 1981 وهو لاجىء اليوم الى السودان عن هذه الخيبة. وقال "لست حزينا لقيامي بواجبي تجاه شعبي (...) لكني حزين لرؤية ما فعل هذا النظام (منذ ذلك الحين)". وعلى الحدود مع اثيوبيا ما زالت القوات الاثيوبية تحتل محلة بادمي الرمز التي كانت سبب النزاع لكنها منحت الى اريتريا بقرار من محكمة دولية.
اما الاقتصاد الذي تضرر بسبب حرب الاستقلال ثم النزاع الحدودي، بات يعاني ايضا من عزلة البلاد. فالمال الذي يرسله الشتات تراجع الى حد كبير.
وقد طردت معظم المنظمات الاجنبية غير الحكومية والشعب المقدر عدده بخمسة ملايين والريفي بنسبة 80% - يعيش في ظروف بائسة.
وصحيح ان معدل الحياة ارتفع منذ 1995 من 52,5 الى 62 عاما واجمالي الناتج الداخلي زاد بنسبة 17% بحسب مؤشر التنمية البشرية للامم المتحدة، لكن اريتريا تبقى مصنفة في المرتبة ال181 من اصل 187 بلدا. ويمضي تلامذة المدارس سنتهم الدراسية الاخيرة في معسكر في الصحراء.
بعد نيلهم الشهادة يبدأون خدمتهم العسكرية الالزامية التي تشمل تدريبات على الاسلحة واشغال شاقة لمدة غير محددة.
ومنذ العام الماضي، توزع الحكومة بنادق على السكان لدرء اي هجوم من اثيوبيا كما تقول رسميا، لكن محللين يرون في ذلك ريبة متزايدة ازاء الهرمية العسكرية النافذة.
في هذه الاثناء، ما زال الاف الاريتريين يهربون من بلادهم.
كما اختفى الفريق الوطني لكرة القدم مرتين باكمله تقريبا اثناء مباريات في الخارج. كذلك وزير الاعلام علي عبدو الذي يعد من اركان النظام انشق مؤخرا.
ولخص مبراهتو داويت وهو اريتري يدير مقهى انترنت من منفاه في اوغندا الوضع بقوله "اصلي من اجل ان تتبدل الامور عندنا، ومن اجل ان نتمكن من العودة الى البلاد".
واعتبر دبلوماسي غربي في المنطقة "ان البلد ضعيف (...) ومضطرب منذ سنوات عدة والنظام نجح في الامساك بكل شيء"، "لكن لا يمكن اخفاء التصدعات الى ما لا نهاية (...) عندما تسجن الحكومة الجميع لا يعود هناك احد لالقاء اللوم عليه".
الى ذلك، كتب سيدريك بارنز في تقرير اخير "نظراً الى انه لا يوجد آلية مؤسساتية لانتقال هادىء للسلطة، او حتى خلف معين بشكل واضح، يبدو انعدام الاستقرار قدرا محتوما كما يبدو ان الجيش الفاسد هو الذي سيتحكم بتعيين الرئيس المقبل". -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق