قصة الهروب الكبيره للسودان من ارتريا " يرويها لاجئ ارتري "
حكاية من الواقع الإريتري المعاش اليوم..!
لاجىء يحكي قصة هــروبه من أســمرا إلى الخرطـوم..!
كنت مقاتلاً... فأُصبت في الميدان .. تعبت.. عانيت .. ابتسم لي الحظ مرة ولكـــــــــــــن؟!
إنه شعب ناضل وقاتل طويلاً.. ونعني الشعب الإريتري الشقيق ولا نقول «الشقي».. مع أن بعض قادته هم الذين صنعوا له هذا الشقاء..
ففي فترة المخاض لولادة الإستقلال حدث بين المقاتلين الصراع والنزاع الذي جعل ـ خيول أفورقي ـ تكسب السباق، ويدخل معها الساحة الواقع الإريتري الحالي بكل قباحاته.. ونزاعاته مع الجيران.. ثم قسوته على شعبه لدرجة أن النزوح للخارج أضحى حلماً ينام ويصحى عليه كل إريتري وإريترية إلا الأقلية الحاكمة!.
وفي هذه القصة الواقعية.. والمأخوذة على لسان لاجىء إريتري تكبد المشاق لكي يخرج بعد أن خرجت اسرته.. نروي مُلخصاً لتفاصيل كيفية الخروج من أسمرا عبر تسني وصولاً إلى كسلا ثم الخرطوم..!.
إن المحظوظ هو الذي يصل.. ولكن من يقع تحت قبضة أمن افورقي سيُرسل وعلى الفور إلى الآخرة ليلحق بغيره من الضحايا بدلاً عن اللحاق بأُسرته..!
ونفسح في هذا الصباح المجال لهذا اللاجىء الإريتري ليحكي بعضاً من معاناته حتى وصل إلى مأمنه الحالي داخل السودان في طريقه إلى أمريكا للحاق بأسرته التي مُنع من اللحاق بها لأسباب لم يحددها له من منعه.. اللهم إلا الحسد كما قال؛ لأن هذا الذي منعه يتمنى الهجرة إلى امريكا أو غيرها فكيف لا يجدها وكيف يحصل عليها جندي سابق مُعاق!؟.
وإلى تفاصيل الحكاية..
من الممكن أن تصادف «الخيبة» وسوء الطالع فرداً .. أو بضعة أفراد في زمن ما.. وفي مكان ما من الدنيا!
أما أن يكون سوء الطالع من نصيب أُمة بحالها لدرجة الترحم على زمان الإستعمار.. والإحتلال.. فهذا أمر يوصم أُمة كاملة بسوء الطالع وقبيح الحظ..!.
إن ذلك هو حال الشعب الإريتري الآن.. ولكن وللتاريخ ولأسباب يعلمها الله ان الشعب الاريتري خاصة، وشعوب القرن الإفريقي عامة لم تهنأ يوماً بحياتها بسبب الصراعات والنزاعات، وكلها نتاج تخلف فظيع ومريع لم يتمكن حُكّام تلك المنطقة من إفريقيا من معالجته، بل الذين حاولوا منهم أمثال ـ سياد بري ـ أو منقستو هايلي ماريام أو حسن جوليد في جيبوتي إما اخفقوا وذهبوا إلى أضابير التاريخ، وإما حاولوا ـ مثل الحاج حسن جوليد ابتدون مؤسس جيبوتي، وإما قطعوا أشواطاً على طريق الخروج من النفق التاريخي الشديد العتمة، وليس الظلام وحسب مثل سياد بري الذي اسقطه الصراع والنزاع والمطامع والجهل والقبلية الممعنة في التخلف!.
وهل بدأنا بمحنة ومأساة الشعب الإريتري الذي صبر على الإحتلال الإثيوبي لأراضيه زهاء نصف قرن ثم بعده صبر على الإيطاليين، ثم صبر على حرب ضروس افقدته جل شبابه ودفعت نحو نصف سكانه للخارج كلاجئين في كل أنحاء الدنيا، أو كنازحين إلى السودان، واليمن .. أو إلى السعودية عبر الأساليب النظامية أو الملتوية!.
عام 1991م كان عاماً أعتبره الإريتريون نهاية لمعاناتهم، فعاد منهم مئات الآلاف أو الملايين ليلثموا ثرى الوطن المستقل ـ إريتريا ـ وليستشرفوا آفاق العودة والحياة فوق ترابه لتربية الأولاد في وطنهم، ولقضاء بقية العمر فوق أرض الأجداد..!.
ولكن أخطاء النظام الذي ورث الحكم من الإستعمار لم تمهلهم طويلاً.. حيث عاد إلى منفاه من عاد، بل كانت عودة الذين جاؤوا بالأمل أكثر من العدد الذي عاد، إذ بدأ التدفق الإريتري إلى الخارج عبر طرق كانت سالكة في البداية.. ثم اضحت ـ سهلة ـ إلى حد ما.. ثم تعثرت .. وتعقدت الأمور.. ثم تحول أمر الهجرة.. أو النزوح إلى مستحيل؛ وإن حدث ذلك فسيكلفك أحد أمرين.. إما مالك وما تملك وما لا تملك.. وإما حياتك إن عثر عليك أمن النظام وأنت متسلل عبر الحدود..!.
ولكن ولتقريب الصورة وتقريب حجم المعاناة ـ نعني معاناة راغبي الهجرة والهروب من السجن الكبير .. عبر أسلوب خطير.. وطرق أخطر... وتكاليف عالية نسمع من أحد الفارين من إريتريا إلى السودان قصته..!.
وهذا في نظر البعض رقم متواضع.. ولكن لنعتمده في حساب الناقص من بلد لا يتجاور سكانه قبل الإستقلال الـ«3» ملايين نسمة.. وبقاعدة حسابية بسيطة فإن عشر سنوات أخرى إذا تواصل الهروب بهذا المعدل ستكون اريتريا بلا شعوب، وإن بقي فيها البعض سيكونون أما « حاكمين» أو مسنين، لا سبيل ولا مرجعية لهم بالخارج.. وأما معاقو حرب التحرير الذين بدأوا هم أيضاً ينهون شهر عسلهم مع النظام ويسعون للهروب من إريتريا إلى السودان عبر الطرق الوعرة والتكلفة المالية الكبيرة وأحياناً دفع الروح نفسها ثمناً للرغبة في الهروب من سجن كبير اسمه إريتريا..!.
يقول هذا الهارب من إريتريا بل تحديداً من أسمرا إن حكايته مع الهروب بدأت بعد أن فقد القدرة على العمل في الميدان حيث اصيب بعاهة عسكرية في حرب أفورقي ضد اثيوبيا بعد الإستقلال..!
كان له أهل وأقارب ساعدوه في التقديم للفيزا الأمريكية المعروفة!.
جاءه الحظ هو واولاده وزوجته.. وحين تقدم لأخذ سمة الخروج من الجوازات الإريترية قالوا له.. لا مفر لك.. فأنت جندي سابق في جيش التحرير وقد نحتاجك يوماً!.
ولكني معاق.. ولا أصلح للقتال بعد 20عاماً من نضال التحرير.. لا فائدة.. ولن تسافر .. وبعد تعاطف.. ودفع.. ووساطة.. سمحوا بالسفر لأولادي وزوجتي والاستفادة من التأشيرة الأمريكية أو اللوتري!.
أما أنا ـ يقول اللاجىء الأريتري هذا فقد أُضيفت إليّ معاناة أقسى وأمر.. وهي فراق الأولاد.. والعيش تحت رحمة الأقارب والجيران في أسمرا..!.
مرة أخرى يمد لي الحظ يده.. ومن أمريكا تصلني بعض الأموال بأسلوب لو رويته هنا سأحتاج لصفحات وصفحات.. ذلك أيضاً لأن مسألة استلام عملة اجنبية بالطرق غير المحددة حكومياً يعني أنني قد امضي بقية عمري في السجن.. والعذاب والتعذيب..!
وجدت من يتكفل بهروبي أو تهريبي على الأصح.. إلى السودان.. والثمن هو ألفا دولار.. نصفها يسلم فوراً عند الاتفاق ونصفها الثاني يسلم عندما تطأ أقدام الهاربين أرض السودان!.
في أسمرا وبعد الإتفاق كان أمامي أن أسافر إلى تسني متسللاً .. حيث هناك سيلتقيني من يزعم أنني من أهله.. ثم يذهب بي إلى مكاتب أمن النظام لأسجل كقادم من أسمرا أو أي مكان آخر داخل اريتريا لزيارة اقربائي في تسني.
بعد يومين أو أكثر من التجول المعلن في مقاهي.. وأسواق تسني سألتقي صدفة بمن يعد لي العدة للهروب وهو يمر من أمامي بعد أن يبلغني أحد أفراد المجموعة ـ ولا أقول العصابة ـ لأن هذا اسم يستحقه من دفعني ودفع الملايين من الإريتريين والإريتريات إلى المغامرة..!.
هذا الشخص سيقول لي ودون أن يتوقف اخرج إلى اطراف المدينة سنلتقي بشخص، وعليك أن تكون بيدك سيجارة غير مشتعلة.. تعداه.. فهو سيعرفك من خلال هذه السيجارة.. بعد قليل سيلتحق بك.. أتبعه نحو 20 دقيقة في ذات الإتجاه.. وعندها ستجد بانتظارك سيارة بوكس تايوتا.. -دبل كبينة - ليس عليها لوحات.. اركب .. وستجد بداخلها بعض الناس.. لا تسلم .. لا تتكلم ستتوقف السيارة عدة مرات لأخذ هاربين!
عندما وصلنا الحدود السودانية وقع البوكس الذي يستغلنا في كمين.. ولكنه هرب برغم طلقات سلاح «الدوشكا».. بعض الهاربين قفزوا من البوكس وتوغلوا وسط الجبال أو الحشائش أو كثبان الرمال.. أنا إستلقيت داخل صندوق البوكس الهارب من الرصاص السوداني!.
بعد نصف ساعة هروب طلب مني السائق أن انزل تحت جذع شجرة ـ وأن أنام حتى الخامسة صباحاً وهو سيمر في هذا الوقت ويأخذني من جديد إلى الحدود السودانية.. ومن ثم إلى مشارف كسلا ومن هناك سأرتجل الطريق الى وسط المدينة ومن ثم اتدبر أمري أو يدبروا لي هم الأمر باتفاق جديد..!.
يا للدقة .. الخامسة صباحاً بالضبط وقف إلى جواري البوكس.. نفس السائق.. ونفس الشخص المسلح الجالس إلى جانبه في الكابينة الأمامية للبوكس..!.
ركبت.. انطلق البوكس باتجاه كسلا.. وبعد نحو ساعة استدارت الشمس وطلع النهار.. وبعدها دخلت كسلا راجلاً نحو 20 دقيقة فقط لأمضي في كسلا بضعة أيام حيث وجدت من يصل بي إلى الخرطوم لأكمل اجراءات سفري إلى أمريكا لألتحق بعائلتي ـ وأولادي.. وزوجتي وبعض أهلي، ولأعمل بعد ذلك لمساعدة من يعنيني أمرهم بالداخل لكي يخرجوا من جحيم وطن اسمه إريتريا.. أو على الأصح من جحيم نظام لا يعرف له التاريخ مثيلاً ولا في عصور النازية..!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق