30/08/2014
سبتمبر المجيدة وتشابه الظروف
محمود طاهر / زيوريخ
30/08/2014
الفاتح من سبتمبر عظمة مناسبة بمقدار خلودها في ذاكرتنا جميعا، وهذا
امرا لا يقبل الشك ولذا يتجدد ذكرها كل عام، إذ لا يمكن القفز عليها او تجاوزها
بادعاء النسيان، لكن ايضاً هناك من يريد ان
يختزل رمزية الحدث ظناً منه إن قيامه بإحياء تلك الذكرى المجيدة ينتقص من قدره ويشوش
على تاريخه المزيف، وان من ينكر تاريخ هؤلاء الابطال من لدن عواتي واصحابه الذين
اشعلوا شرارة الكفاح المسلح، انما يعمل على سلب تاريخ هو ملك للشعب الارتري،
فمعرفتنا بتاريخ القادة التاريخيين في الدول الاخرى من امثال محمد احمد المهدي في
السودان، عمر المختار ليبيا، الى احمد عرابي مصر، الى عبدالقادر الجزائري الجزائر،
جاء لانهم كانوا على راس القادة الذين وقفوا في وجه المستعمر واذنابه، ولأنه من
باب الفضل على الجميع تزخر كتب التاريخ بأمجادهم، وتتذكرهم شعوبهم عند كل نائبة
تحل بها، ومن خلال ذكر بطولاتهم عرفنا بتاريخهم، ولم يزايد على ذلك احد على عكس ما
يحدث في ارتريا.
والامر لم يتوقف عند هذا الحد،
بل هناك الكثير من المحاولات الحثيثة، التي يعمل عليها النظام، من خلال تقليل
الاهتمام الرسمي بالمناسبة، عكس المناسبات الاخرى التي يعمل على الاحتفاء بها اكثر
من اللازم، كمعركة فنقل على سبيل المثال لا الحصر، والتي يفرغ لها النظام العديد
من برامجه ولأيام، في تكرار سمج لاحداث تم سردها طيلة عقدين ونيف، يحاول من خلال
ذلك تجديد شرعيته المتأكلة من جانب، ومن ناحية اخرى تلقين الاطفال تاريخ متحيز يعتمد
على رواية واحدة تختزل النضال في تنظيم واحد، ومن ثم في طائفة وقومية واحدة، وايصال
رسالة مفادها ذلك، كما يريد ان يوهم الناس بان نضال الشعب الارتري بداء في سبعينيات
القرن المنصرم، في تزوير للتاريخ وتنزيف متعمد للوعي، وكأن التضحيات التي قدمها
الشعب الارتري طيلة اكثر من عقد من الزمان كانت في مكان وزمان اخرين، و يريد ان
يجعل منها خارج السياق، وعندما قام القائد عواتي ورفاقه في اشعال جذوة الشرارة
الاولى بفطرتهم الريفية البسيطة، كان حافزهم ودافعهم في ذلك نخوتهم الاصيلة، ورفضهم
الشديد للضيم وهي الدوافع الرئيسية في تحملهم لتنفيذ المهمة، ولم تكن الطموحات
السياسية المبنية على النزعات المناطقية، اوالطائفية، والايدلوجية، لها حيز في
تفكيرهم اللحظي والبعدي، في تلك الفترة التاريخية، على عكس من جاء بعدهم من ابناء
المدن واصحاب النصيب من العلم، لان الامر عندهم يمر في المقام الاول على مصالحهم
الشخصية، ومن ثم يأتي الهم او المصلحة العامة، وهو ما لازم الثورة بعد ان اصبحت
ملئ السمع والبصر، ومن بعده حكومة الغابات كما كان يسميها احد اصدقائي سخرية
بالحكومة الارترية .
يقابله جانب اخر مرتبط بتشابه الوضع الراهن مع ما قبل الثورة، وذلك من
خلال الوضع القائم والمتمثل في سياسات النظام الفاشية، والتي تتجاوز في جرائمها
وفظاعاتها زمن الاستعمار، وقد جعل النظام من الظلم والاسترقاق سياسة ووسيلة لإخضاع
المجتمع.
و على الرغم من النظام هو في اسواء حالاته مقارنة بما كان يمثله نظام
هيلى سلاسي من نواحي عدة، منها ان تفاعل المسيحيين مع الثورة في بداياتها كان ضعيفا
بسبب تدخل الكنيسة في اختياراتهم السياسية، مع عدم اكتراث الكثير من الدول، خاصة
الغربية منها بمعاناة الشعب الارتري، جراء سياسات هيلي سلاسي الانتقامية، وقد جاء
التعاطي والتأييد والدعم من جانب بعض الدول العربية، وفي مخيلتها صراع النفوذ مع
اسرائيل، مما سبب في النهاية على اضعاف جبهة التحرير من خلال استدراجها الى سياسة
المحاور، كما وان بدائية وسائل الاتصال في حينها منع الكثرين من التعاطف مع معاناة
الشعب الارتري .
اما الاَن فان الوضع يختلف من ناحية ان غالبية الشعب الارتري يقف ضد
النظام، ولكن هذه الاغلبية نسبيا تتميز بالسلبية، كما ان البعض منها يفتقد الى التأطير
التنظيمي الجاد، وان عدم التفاعل في بعض جوانبه ايضاً هو الخوف من المصير المجهول ،
في حين ان وسائل الاتصال قد ابرزت معاناة الإرتيريين في الداخل والخارج واكتسبت
بذلك القضية تعاطف الكثير من الدول وعلى رائسها الدول الكبرى فيما اصبح التعاطف من
جانب الدول العربية معدوماَ .
نقطة اخرى كانت تمثل عامل قوى داخلية لدى النظام الا وهي عامل الولاء
الذي كان يعتمد عليه نظام الهقدف في تمرير سياسته، هي الاخرى اَخذة في الاهتراء
والتلاشي، وقد عملت الاحداث التي مرت على الوطن على تفكيك كثيرا من الاوهام، التي
عمل النظام على غرسها ابان الثورة، وقد تم تعريتها لتبدو مدى هشاشة تلك المقولات
المحتشدة في وصف الوحدة الوطنية، دون سند على ارض الواقع، مما انعكس بدوره في تضاءل
كبير للثقة لدى كوادر وقيادات الحكومة والجيش، وما هو معروف ان الجبهة الشعبية
عملت على نشر ثقافة الولاء لها عن طريق الولاء للوطن، وقد تولد هذا الاحساس لدى
المقاتلين نتيجة للبروبجاندا التي مارسته الشعبية، في غسل ادمغة المقاتلين
والكوادر، في حين ان سياساتها التي ظهرت على السطح بعد التحرير، لم تكن وليدة
اللحظة او النشوة، بل كانت نتيجة لما خطط له الديكتاتور وبعض المقربين منه على نطاق
ضيق، لذلك كان الاحساس السائد بين المقاتلين، ان التنظيم لا يمارس الاقصاء او
التهميش بحق أي مكون مناطقي او طائفي وذلك حسب ظنهم، ولكن هذه الفرية لم تستمر طويلا
خاصة بعد التحرير، حيث تبين ان ما رُوج له من قبل التنظيم ومن بعده النظام، ماهي
الا اكاذيب اريد بها استغفلاهم لتنفيذ سياسات طائفية .
في الختام اقول بكل صراحة اننا نحتاج الى كتابة تاريخ الثورة ، بطريقة
موضوعية، غير متحيزة لفترة او لجهة، كما يجب قراءة الوضع في ارتريا بطريقة صحيحة بعيدا
عن العاطفة لان القراءة الصحيحة تجعلنا في غنى عن كثير من المشاكل التي طرئت ومازالت
امام مسيرة بناء الدولة، ولان كتابة التاريخ تختلف عن كتابة
الروايات، والتي تعتمد في الاساس على اشخاص افتراضيين مع بطولات وهمية لذلك تأتي
قراتها للتسلية دون تدبر او نقد للأحداث ، وما برز حتى الان من كتابات لم يراعى
فيها ادني حد من الموضوعية. والتاريخ الذي سطر في كل المراحل كان بمساهمة جميع
المكونات والانتماءات، وبدماء شباب ارتقت أرواحهم الى الرفيق الاعلى في سبيل رفعة
ومنعة وطن يعيش فيه الجميع دون تميز، يحفهم الامن والاستقرار، ولم يدر بخلدهم ان
يتم توظيف كل هذه الدماء والاشلاء في بناء مجد شخصي، يحتاج تثبيته الى دماء جديدة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق