20/07/2014م
محمود طاهر / زيوريخ
19/07/2014م
يقول المثل السوداني (الفشى غبينتو خرب مدينتو) ما جعلني اتذكر هذه
المقولة هو ما اره اليوم من مظاهر التصدع الحاصل في الساحة الإرترية، في وجود نظام
ديكتاتوري موغل في الاستبداد، لم يترك أي وسيلة في سبيل ترسيخ سلطته الزائفة بما
فيها المحرمات، وكما تقول العرب - من شبا على شيء شاب عليه- فهذه السياسات التي
اوردتنا المهالك لم تكن وليدة اليوم بل هي نتيجة منطقية لوثيقة (نحن واهدافنا)
المشؤومة، ومفهوم الوطن والمواطنة لا يمكن حصره في إطار قبيلة او طائفة معينة لأنه
في المحصلة سيصيب التشرذم نفس القبيلة او الطائفة، بل وسينزل ذلك الى العشائر
والبيوت بما يعمل على التشرذم، وهذا ما نراه اليوم واضحاً للعيان بعد طول سنين من
الممارسات الفاشية، فأشرش مقاومي النظام والذين يغضون مضجعه الاًن هم من نفس
الطائفة وان لم يكونوا من نفس المنطقة ، يقابلها في الطرف الاخر معارضة مشتتة
متناحرة فيما بينها على امور ثانوية، لم تستطع استيعاب التنوع الاثني والديني بل
زادت عليه بتنظيمات عشائرية تدعى كلها تمثيل إثنياتها على الرغم من عدم منحهم لها حق
التفويض، وبذا ظلت اسيرة خلافات منعتها من مبارحة عتبتها حتى اللحظة، ولا يظهر في
الافق القريب ما ينبئ عكس هذا مما ولد حالة من اليأس ادت بدورها على انتشار ثقافة الثأر
والانتقام بين الإرتريين .
في هذا الجو المليء بالإحباط والاقصاء ازدهرت ثقافة الكراهية للأخر
لتكون هي الموجه السياسي والاساسي، وما يتحكم في تصرفات البعض فيما بينهم، وهذا ما
ينذر بخطر داهم على علاقة الجماعات والافراد لتسود ثقافة التخوين بين المعارضين
والمؤيدين على حد سواء، واصبح المدعين لا يحتاجون الى ادنى عناء او بحث في تحري
ذلك، فبمجرد ان يختلق شخص مع اخر في الرؤى مع عدم الاختلاف في عدائه ومعارضته
للنظام يتم ذمه بأنه من بالهقدف، وعلى الرغم من ان الذامي لا يعرف المذموم معرفة
تسمح له بوسمه بهذا النعت، لكن لا بأس في ذلك لان الساحة اصبحت تطرب لهذه المفردات
.
فمهما طال ظلام الليل فلابد
من ان تشرق شمس الحرية وهذه من سنن الكون، لكن ما يؤرقني حقيقة هو ارتفاع وتيرة العداء
الغير مبرر ونفسية الثأر لدينا جميعا، فما لا يخفى على الجميع ان الكثير من الناس
ينظرون الى النظام الاستبدادي في إريتريا، بانه يمثل طائفة معينة ومناطق جغرافية
محددة، وهذا التقييم قد يتفق او يختلف معه الكثير، ولكل وجهة نظر مسبباتها
وتفسيراتها، لكن مالم يتجاوزه التاريخ والواقع ان كل الانظمة الديكتاتورية مهما يكن
على رائسها فإنها لا تمثل الا حفنة من المستفيدين الذين يسبحون بحمد الطاغية، ويأتي
استخدام أي طاغية لعشيرته او طائفته في سياق تثبيت اركان حكمه من الزوال، ولا
يعبئه بما سيعانيه هؤلاء بعد سقوط حكمه المحتوم ولو بعد حين، لذا ربط القبيلة او
الطائفة باي نظام ديكتاتوري يجب ان ينظر اليه من هذا الجانب مع عدم اغفال الجانب
الاخر و وضع الجميع في سلة واحدة.
والمخيف صراحة هو انتشار
ظاهرة الردح وبطريقة مقززة في الفترة الاخيرة، تمثلت في بعض الكتابات التي تمعن في
ارساء ثقافة الكراهية ، خاصة لأصحاب الاسماء والحسابات المستعارة، بما يوحي بان البعض
يريد ايصال رسالة، لكنها خاطئة، ولو لم يكن كذلك لما تخفى صاحبها، وهذه الحماقات التي
يراها البعض بطولات، هي في غير مكانها وزمانها وليس لها أي مردود على النظام، سوى
انها تزيد من شدة الاحتقان بين المكونات وحرف انظار المجتمع الي قضايا الجميع في
غنى عنها لذا على هؤلاء المراهقين ان يعوا وقع كتاباتهم .
ومن خلال تفكيري في الموضوع علقت
بذهني عدة اسئلة تطرح نفسها وتحتاج لإجابات وقفت عاجزا حيالها، منها مثلاً هل
نستطيع ان نبني وطنا يعيش فيه الجميع في ظل هذه الثقافة؟ هل لابد لنا ان نمر بنفس
تجربة النظام من ممارسة اقصاء تحت دعاوي العمل مع الهقدف ويتم اقصاء من عمل مع
النظام عن الحياة العملية هذا على اقل تقدير ؟ لان البعض لا يخفي صراحة قيامه بهذه
الخطوة ،من جانب اخر ما هو مستوى نجاح سياسة الاقصاء في تثبيت اركان الدولة؟ وما هو
النموذج الذي سيتم الاقتداء به عند ممارسة هذه السياسة هل هو السودان وما عرف
بسياسة الصالح العام في مطلع التسعينات؟ ام سياسة اجتثاث البعث في العراق وما
سببته من كوراث؟ ام قانون العزل في ليبيا والذي تسبب في حرب اهلية ستقضي على
الاخضر واليابس .
كل هذه التساؤلات وغيرها الكثير التي تجول بخاطر الكثيرين منا وتحتاج
لنقاش عميق ودراسات وحلول، لكي لا نكرر اخطاء دول بنت سياستها على الثأر والانتقام،
فكان الحصاد فشل زريع على كافة الصعد من انفلات امني تدهور في الخدمات وفساد ضارب
اركان الدولة، بلغ معه اليأس عند الشعب تمني عودة حكم الديكتاتور، لان المواطن
البسيط عند ما يفقد لقيمة الامن في حياته لا ينظر الى الحرية والكرامة والعدالة
الاجتماعية التي ينشده النخب والمثقفين، الامن باب الترف الفكري الغير قابل للتحقق
لذا لا يعيرها ادنى اهتمام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق