الثلاثاء، 10 فبراير 2015

10/02/2015

تاريخنا بين تزييف النظام وتفريط المعارضة

محمود طاهر / زيوريخ

10/02/2015م


في السنيين الاخيرة رحلت قيادات كبيرة عن دنيانا الفانية ودفن معها جزاء من تاريخ الشعب الارتري، لما كانت تمثله من رمزية كبيرة في تاريخ النضال الارتري، واذكر على سبيل المثال لا الحصر منهم الزعيم المناضل/ عبدالله ادريس الذي توفي في ال30من ابريل2011م بعد معاناة طويلة مع المرض، والزعيم المناضل/ احمد محمد ناصر والذي توفي في ال26 من مارس 2014م اثر وعكة صحية لم تمهله طويلاً، وغيرهم الكثير من القيادات التي لها باع في الثورة، بين هذه السنين القريبة، واليوم نحن احوج ما نكون الى من يكتب لنا  عن تاريخنا المجيد، ما قبل الثورة ممثلاً في الحراك السياسي الذي سبق الكفاح المسلح من احزاب، وما كتبه الزعيم الراحل عثمان سبي اصبح وجوده الان نادراً جدا، وان لم يكن اشبه بالمستحيل، وما تلى بعد ذلك من انطلاقة  شرارة الكفاح المسلح، ولا يوجد لدينا الا القليل من بعض القصص والروايات المبتورة والمتناثرة ، التي لا يمكن الاعتداد بها كثيراً، لتصبح تلك الفترات خارج اطار التاريخ الارتري، لا تُذكرا الا انتقاءً وذلك لتجميل صورة الجبهة الشعبية دون سواها، ومن الخطاء وعدم الوطنية من يعتقد ويفكر في تجاوز تلك الفترة والقفز عليها.
 لذلك يتم تناول تلك الفترة على مضض مع كثير من التدليس، والتركيز على الاخطاء وتضخيمها، دون الحديث عن الانجازات والتضحيات التي حققتها الجبهة، من خلال تحريرها لمعظم المدن الارترية في الفترة من1977م الى 1978م ومعها فصائل اخري كقوات التحرير الشعبية، والجبهة الشعبية ذاتها، ولكن كان نصيب وسهم الجبهة اكبر منهم في تلك الفترة، وقد خلفت هذه الحروب الطاحنة شهداء وجرحي بالألاف، لا يمكن نكران تضحياتهم ورميها بكل نقيصة وخطاء، فيما جعلت من تجربتها نقية ومبراءة من أي خطاء او عيب، في حين ان تحرير الجبهة الشعبية لم يأتي الا كمحصلة لنتيجة تراكمية من حرب الاستنزاف التي بداءتها الجبهة وخضب الكثير من الشباب بدمائهم الزكية ارض ارتريا طيلة ال22 عاما، وكان طبيعيا ان تجني ثمار هذا الاستنزاف الكبير الذي قامت به الجبهة للعدو ليصب اخيراً في مصلحتها ، بعد ان استفردت بمعظم الساحة في تحالف بغيض مع الوياني، لم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل وعمل النظام الحالي على تضخيم انجازاته فقط ، في نقل لنصف الحقيقة، وترك مالم يرق له من تاريخ النضال الارتري على قارعة الطريق، من خلال تدريسه في المدارس، وكأن الذين قدموا هذه التضحيات هم من كوكب اخر، ولا يستحقون ذكر تضحياتهم، نسبة لانهم كانوا في الاتجاه الاخر من الثورة، والذين يجب ان لا تقوم لهم قائمة كما لا يجب ان يذكر لهم تاريخ ناصع ، هذه هي عقلية وعقيدة النظام الحاكم، التي تريد ان يرى الناس ما تراه هي وذلك وفق أهوائها .
 لكن في المقابل لماذا لا يعمل الاخرين على كتابة التاريخ الذي امتد منذ بداية الكفاح المسلح وحتى دخول الجبهة في العام 1982م للسودان، وقد تركوا تقييم ما حدث من انهيار كبير للجبهة ودخولها السودان لتخمين كل طرف، حسب ميوله التنظيمية وما يناسب  خطه الثوري الجديد، وذلك بعد الافتراق، وهنا لا احمل طرف واجمل وجهة نظر طرف اخر ولكن الحقيقة تقتضي بان اقول الكل يتحمل مسؤولية ما حدث، ويجب ان لا نتوقف كثير عند هذه النقطة، حيث ان الإخفاق والنجاح هما متلازمان لا ثالث لهما، ويجب ان لا يكون هذا هو السبب في عدم كتابة تاريخ الجبهة، كما لا يمكن حبس التاريخ بين جدران ثنائية الجبهة والشعبية، وقد ادت هذه السياسة من جعل هذا التاريخ عرضة للتزييف من جانب النظام الاستبدادي، واخذ يفرض وجهة نظره على الشعب، وقد نجد هذا واضحا في جهل الكثير من الشباب القادم من ارتريا بتاريخ الثورة الارترية، خاصة  عن فترة جبهة التحرير، او ما يعرفه عن تلك الفترة، هو ما ارد النظام ايصاله اليهم من خلال تشويهه لحقائق تاريخية، من وصفه للجبهة بانه تنظيم اسلامي وما شابه ذلك من دعاية سوداء، لا تمت للوطنية ولا للحقيقة في شيئي، في تجسيد لمقولة (ان التاريخ يكتبه المنتصرون)، ولكنه ليس كل الحقيقة ما يكتبه هؤلاء .
 لكن هناك  كثيراً ما يتبادر الى اذهاننا تساؤل، لماذا لا يكتب الكثيرين عن هذا التاريخ المشرف بإنجازاته وإخفاقاته ؟ ومن هنا اناشد الجميع من كانوا في مواقع اتخاذ القرار، او قريبين من تلك المواقع ان يكتبوا لنا ما جري في تلك الفترة من تاريخ نضالنا  المجيد، وان يكون مشتملاً على كل الجوانب، ولأنه كأي جهد بشري تعرض للصواب والخطاء، ولا ينتقص هذا الخطاء من تضحياتهم  ونضالاتهم ، كما ان هذا التاريخ هو ملك للشعب الارتري، لذا لابد وان يتم تناول الاحداث  بحيادية وموضوعية ، لكي يستفيد الناس من الجوانب المضيئة ويتم التجاوز عن مكامن الخطاء، وهذا يستوجب الصدق مع النفس في نقل الحقيقة دون تضمين وجهة النظر، لكي لا تشوش وجهة النظر هذه على القارئ.
 وقد لاحظت في الفترة الاخيرة ان الكثير من الشباب الارتري الهارب من جحيم الداخل، والذي لا يعرف الا القدر اليسير من تاريخ النضال الارتري، ولكنهم اصبحوا يرفعون العلم الارتري القديم الى جانب الجديد ، في الكثير من تجمعاتهم خاصة المعارض منها، وذلك بعد ان وجدوا  فرصة التعرف على جوانب كانت خافية عليهم من تاريخ النضال ، من خلال احتكاكهم بالمعارضين في الخارج ، والفرصة سانحة لتغيير الكثير من التزييف الذي مارسه النظام بتاريخنا، اذا تم استثماره  بطريقة جيدة، فالنظام يجدد شرعيته المتأكلة خاصة في الداخل كل عام بذكرى معارك نادو وفنقل ومناسبة التحرير وكم  من معارك مثلها واشرش منها قادها الشباب لكنها لم تدون في سجلَاتنا .
ولو قمنا بعملية حسابية  لحال الوطن والمواطن في ارتريا، فسوف نجد ان معاناة الشعب الارتري زادت اكثر مما كانت عليه في عهد الاستعمار الاثيوبي، لان من انجز التحرير لم يضع في حسبانه طموح الشعب الارتري في العيش بحرية وكرامة، بل عمل على اذلال الشعب ليجعل من ذلك طريقة ووسيلة في سبيل احكام سيطرته وإطالة امد حكمه .
فليضع هؤلاء انفسهم مكان اولئك ولينظروا الى ما الت اليه حياة الناس في عهد سلطة الديكتاتور فلو كانوا هم من قاموا بذلك الجزاء الاخير من معركة التحرير هل كان سيسرهم حال البلاد وما وصلت اليه من شفير الهاوية ، وان تختزل كل نضالاتهم في طموح غير مشروع لشخص مصاب بجنون العظمة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المغيبين واالمختطفين فى سجون العصابة الحاكمة فى ارتريا