الاثنين، 2 فبراير 2015

02/02/2015
امكانية التغيير ومتطلباته
محمود طاهر / زيوريخ
02/02/2015م

نسبة غير قليلة من الارتريين تعتقد ان حل المشكلة الارترية تكمن في اسقاط راس النظام الديكتاتوري في اسمرا، وبذلك ستنهار باقي المنظومة تباعا كأحجار الدومينو، ومن ثم كل الامور ستسير على ما يرام، والنظر إلى الامر على هذا النحو وبكل هذه البساطة هو توصيف مخل، لواقع افرزته حكومة الاستبداد طيلة سنين عمرها، على الرغم من خطورة هذا الانهيار على الوطن ان حدث لا قدر الله، ووفقا لمقتضيات كل مستبد، فأنه انشاء مجموعات مصالح خاصة تساعده في احكام سيطرته على البلاد، لذلك تكونت هذه المجموعات وارتبطت به، ويتعامى و يتغاضى البعض عن هذه الظاهرة التي حولت الاوطان في كثير من الدول الى محميات خاصة للزعيم وحاشيته، ولا ينظرون بعين الاعتبار لهؤلاء الذين ارتبط ثرائهم الاقتصادي ومكانتهم الاجتماعية ونفوذهم من خلال ولائهم للسلطة التي يمثلها الطاغية، ويأتي على راس هؤلاء ضباط الجيش، والمخابرات، والامن ،والشرطة، ومن ثم السياسيين، وفي الاخير التجار، كل هذه الفئات ارتبطت بمصالح مع النظام وتدور في فلكه، وبقاء مصالحها مرتبط ببقاء النظام الحالي حتى ولو صار ضعيفا، ولا يمكن ان تضحي هذه الفئات بهذه الامتيازات بالوقوف ضد النظام القائم والانحياز الى جانب الشعب، ما لم يكن البديل الذي سيأتي يحقق لها المزيد من المصالح، او في حده الأدنى الحفاظ على ما تم الحصول عليه في السابق، ولا يمكن اقصاء هذه الفئات الا عن طريق  نظام ديمقراطي تعددي، اما غير ذلك فسيمثل اعادة لنفس النظام بوجه اخر مع تغيير طفيف في كتلة المصالح هذه والسماح بحريات اقل .
اردت هذه المقدمة لكي اناقش موضوع التغيير الذي نبحث عنه من خلال جوانب عدة منها ما هو مرتبط بالمعارضة وما هو مرتبط بالنظام .
اولا : من جانبنا المعارض لم نستطع طيلة الفترة منذ بزوغ فجر التحرير وحتي الاَن، من ارساء دعائم الديمقراطية في ادارة تنظيماتنا حتي ولو بالقدر القليل، وقد كانت الفرصة سانحة ومازالت لو صدقت النوايا وابتعدنا عن الانانية وتضخم الذات، في ترسيخ مبدا تداول السلطة بطريقة سلسة وشفافة داخل التنظيم الواحد، بما سينعكس اثر ذلك على اي تجمع او تحالف ينشا بين اطراف المعارضة، ولكن للأسف مازلنا نعمل على نمط الوصاية والاختيارات المسبقة، لأعضاء القيادة واصباغها بانتخابات شكلية لزوم الديكور، وهي السائدة حتى في كل المؤتمرات التي اقيمت، ولا يوجد في الافق القريب ما ينبئ عكس ذلك، وهذه المعضلة هي التي انتجت الديكتاتورية القائمة على سياسة الرجل الواحد والخارق، لان أي تغيير ينشأ على اسس غير ديمقراطية هو كالسراب يحسبه الظمآن ماء .
لذلك لا نجد كبير خلاف في طريقة ادارة الاختلافات البينية كمعارضة ونظام، الا بقدر التحديات، خاصة من جانب التنظيمات التي قامت على اساس ودعاوي المظلومية في معاملة منسوبيها، اذا جاز لنا التعبير في وصفهم، خاصة عن طريق فرض الوصاية والابوية على مجتمعاتها على وجه الخصوص، وفرض نفسها الممثل الشرعي والوحيد لذاك المجتمع، وذلك في طريقة كبح الاصوات المعارضة ولجمها، ومن يخرج على راي هذه القيادات الابوية قد ينال عقابه بالإقصاء والتخوين، وقد مارس البعض للأسف ما هو اسواء من ذلك من خلال التصفية الجسدية، ولا اريد ان اضرب المثل، لكي لا يثور البعض ويحرفنا عن القصد، لكن هي معروفة ومثبتة لا تحتاج الى عناء البحث.
وما افشل كل المحاولات والتفاهمات التي بدئت في اواخر التسعينات بين بعض التنظيمات الوطنية والاسلامية ومروراً بالفترة الممتدة منذ تأسيس التجمع الوطني في بدايات الالفية الجديدة ومن ثم بالتحالف الديمقراطي والان المجلس الوطني للتغيير، هي الصراعات البينية بين اطراف المعارضة، و كلها منصبة حول من يقود هذا الجسم ، والي أي منطقة جغرافية وطائفة ينتمي، مما افقد القدرة على تبني مشروع وطني جامع، يتفق ويلتف الجميع حوله، وعدم القدرة على تنحية مسألة القيادة جانباً، ليكون دورها في النهاية الاشراف على ما تم الاتفاق عليه، تعتبر هي لب المشكلات التي يتمحور حوله كل اخفاق ، وهذا الحالة تعكس مدى اهتراء الثقة بين اطراف المعارضة، لذلك نجد ان الصراعات كلها تدور حول هذه النقطة، في حين ان الاهم هو ان يتم التوافق بطريقة مقتعة وراسخة حول الاهداف والبرامج المراد تنفيذها، ومن ثم متابعتها واعتبار كل خارج على هذا الاتفاق، هو خارج على الاجماع الوطني، وذلك بإرساء مبدا المحاسبة لكل من يقوم بذلك العمل الهدام، بدلاً من حمايته والتحالف معه، وهذا يتطلب قدرا كبير من التحلل من الروابط العصبية او الشعوبية، لكن ما نشاهده يختلف عن ما ننشده، وهو ان لكل شخص الحصانة المطلقة في تجاوز النظام الاساسي الذي تم اقراره، دون ان يرف له جفن او تهتز شعرة للأخرين، كأن الامر لا يعني احدا!!! ونقوم بتخريب ما تم الاتفاق عليه بأيدينا، في سبيل سلطة وهمية لا تقدم ولا تأخر الا بقدر التزامنا بم تم الاتفاق عليه بيننا، لذلك لا توجد بارقة امل من أي تجمع للمعارضة، مالم نعترف كمعارضين، بان رئاسة هذا الكيان هي تكليف خدمي وليس تشريف تميزي، وان اختيار الشخص لا يجب ان ينظر اليه على انه تمثيل رمزي لمنطقة او قبيلة، بل يجب ان يكون المعيار هو القدرة والامكانية في تنقيذ البرامج التي تم التوافق عليها، ويتم تقييم القدرة على النجاح والاخفاق من خلال قدرة الشخص على ادارة المرحلة، وليس بمن يقف خلفه او يمثله وفيما يريد تنفيذه، وهذه البوادر لا نجد توافرها الاَن او في الفترة القريبة القادمة، ولو تم استثمار بعضا من تلك السنين في ارساء دعائم الديمقراطية بدل تلك الصراعات والاختلافات التي انهكت قوى المعارضة، لتوقعنا حدوث عملية التغيير بطريقة سلسة وهادئة، حتي ولو حدث أي انهيار مفاجئ لتم احتوائه والتقليل من اَثاره قبل التفاقم، ولتبددت هواجس الخوف من المجهول في أي عملية متوقعة، لكن واقع الحال لا يبشر بما نرغب، فمفهوم التغيير عندنا يتمثل في اسقاط النظام وباي ثمن ومن ثم البحث عن الحلول، بما سيكرس معادلة البقاء للأقوى في متوالية ليس لها نهاية.
ثانيا : كانت قد تكونت قناعات في الفترة الماضية، من قيام ثورة شعبية داخل ارتريا في ظل اجواء الربيع العربي، والتي كانت قد بلغ فيه التفاؤل مداه، عند ما اسفرا الحراك الثوري، عن اسقاط لبعض انظمة الحكم العتيدة، في تونس ومصر وليبيا واليمن استثناءً عنهم سوريا التي تحويلها عن عمد الى حرب اهلية بتواطؤ دولي واقليمي، لتتراجع موجات الربيع بسب تعثرها في سوريا، لكن ما تلاها من فوضى تجعل الكثير من المتوجسين يعيدون التفكير في جدوى الثورة، ذلك دون تحقق شروط نجاحها، من وجود البديل الذي يستطيع استيعاب التناقضات التي تعج بها ساحتنا حكومة ومعارضة، وان كانت المعارضة اكثر تمثيلاً، لذلك من حيث التنوع لا القدرة، ولكن للأسف هذا التنوع يتم استخدمه بطريقة خطيرة تجعل من عملية الرتق اشبه بالمستحيلة، لكن رغما عن ذلك لا يخفي الكثير من الارتريين عن توسم الخير في أي تغيير، حيث نظروا بمختلف انتماءاتهم، بكل تفاءل وثقة لحركة 21 يناير2013م الجريئة، لولا الاخفاق الذي لازمها في لمساتها الاخيرة، لكنها تظل هي جذوة للأمل في تغيير قادم لا محال،  واعتبرها الكثيرين ثورة بطريقة ونكهة خاصة لم يكتب لها النجاح، على الرغم من انها من داخل ذات النظام، بما يدلل بان مفهوم التغيير مرتبط براس النظام لدينا .
 وسط الهروب الكبير للشباب وعدم تبلور رؤية واضحة  في ادارة  الدولة كمعارضة، تتضاءل فرص حدوث ثورة شعبية تعمل على اقتلاع النظام الفاسد، ، لكن الثورات غالبا ما تكسر التوقعات والاحتمالات عند حدوثها، نسبة لوجود نفس الاسباب والدوافع التي ثارت من اجله الشعوب الاخرى، و لكن فرص نجاح هذه الثورة ان تمت رغم المعيقات الواضحة، مرتبط بمن يقف ورائها من قوى سياسية كانت او عسكرية، وفي حالة عدم توفر احدى هذه الشروط ستصبح تلك التحركات عفوية، ومن دون بوصلة تحدد اهدافها، وهنا يستطيع النظام امتصاصها والقضاء عليها، دون ضجيج اعلامي، لغياب الموجه والمساند والموظف لهذه الحركة ، فمن ناحية المعارضة فإنها مشتتة ولا تحذي باي ثقة في نفسها، لذلك يستبعد ان يكون لها دور في أي حراك داخلي، مالم تصل الى مرحلة وفاق وطني تستطيع من خلاله اظهار تماسكها وقدرتها على الحفاظ علي ذلك، والتغلب على اختلافاتها الفكرية والمناطقية والقبلية في اطار الوطن الواحد، ومن ثم يمكن ان تعيد الثقة في نفسها ومن ثم الشعب والاطراف الدولية، وهذه الميزة غير متاحة على المدى القريب، اما المؤسسات العسكرية والامنية فتمثل هي البديل الارجح والاكثر واقعية من خلال معطيات كثيرة على ارض الواقع باعتبارها جزاء مهم من التركيبة التي يعتمد عليها النظام في احكام سيطرته على البلاد والعباد، وقد كان ملاحظاً كيف كان التواطؤ الضمني من خلال التغافل بالسماح  لمرور الرتل العسكري لثورة 21 فبراير من اقصي طرونا الى اسمرا، لكن من المؤكد انها لن تقف مع مطالب الشعب حبا فيه، او احقاقاً لذلك ، بل للحفاظ على امتيازاتها التي قد تتأثر برياح التغيير، مع اجراء بعد التغيرات الشكلية التي لا تغير من مضمون الحكم الشمولي، من قبيل تخفيف القبضة الامنية العنيفة، وتقليص فترة الخدمة الوطنية، والسماح للأفراد بحرية الحركة، وهذه الحقوق الاساسية قد يراها الكثيرين بانها حريات كافية ويستحقون عليها الثناء، والدعاء بطول البقاء في الحكم،  كما تعتبر وصفة مقبولة  ومهضومة من دول الإقليم والمجتمع الدولي .

 لكن يمكن تغيير هذا الواقع على المدى البعيد لو قويت شوكة المعارضة وسمح لها العمل من الداخل، كمعارضة جادة، وليس كديكور مكمل لمسرحية الديمقراطية تمنح الاستبداد الشرعية كعهد الديمقراطيات المزيفة في العالم الثالث، ويمكن لها ان تخل بالمعادلة، اذا كانت نظرتها للتغيير شاملة غير مرتبطة بمكاسب ظرفية وشخصية وذلك بالتدرج خطوة خطوة في توعية وتثقيف المجتمع بحقوقه ومن ثم بواجباته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المغيبين واالمختطفين فى سجون العصابة الحاكمة فى ارتريا