15/12/2013
اللغة العربية صراع الهوية
محمود طاهر / زيوريخ
15/12/2013
منذ خروج إريتريا من نير الاستعمار
البريطاني والحاقها بعباءة المستعمر الإثيوبي، لم تتبلور فكرة الدولة الوطنية في
قيادات المجتمع التي كانت تتصدر العمل الحزبي والمدني في تلك الفترة، لأسباب
داخلية واخرى خارجية، فالداخلية تمثلت في عدم وجود ارضية مشتركة يبنى عليها عامل الثقة
بين المسلمين والمسيحين، ويعزى ذلك لكثافة تواجد كل مكون في اقاليم يمثل فيها
الغالبية العظمى وان لم تخلو المدن
الكبيرة من الوجود الخجول للأطراف كلا خارج مكونه وامتداده الجغرافي، والذي لم يكن
له فاعلية كبيرة في ايجاد لحمة وطنية يتم التأسيس عليه لبناء وطن يسع الجميع ، اما
الخارجي فيعود الى سياسة فرق تسد التي اتبعها الطليان بين المكونات وعلى الرغم من
تلك السياسة الا انهم لم يهتموا الا على ترسيخ لغتهم في ارتأيا، لذا لم يبرز صراع
الهوية واللغة في عهدهم ولكن بعد اندحار الطليان ودخول الانجليز لإريتريا، بدأت
بوادره تظهر وقد وضح ذلك جليا في اول تجربة برلمانية تمت في عهد المستعمر في اقرار
اللغة الرسمية للدولة، فقد رفض الاخوة المسيحين في إقرار اللغة العربية إضافة الى
التجرينية باعتبارهما لغتان للدولة الناشئة في الدستور الإرتري عام 1952م ، ولم
يمر ذلك الا بعض ان تدخل المبعوث الاممي انزوا مارتنز بضغط على الطرف الاخر لإقراره، وهنا نجد مدى عمق
الهوة الذي بدا ظاهرا للعيان، في اول تجربة يتم فيها اتخاذ القرار بين الإرتيريين فيما
بينهم، وقد فشلوا في ذلك وكان لهذا اثره في ما بعد على مجمل ما حدث الى يومنا هذا.
إضافة لطرف اخر تمثل في تدخل الامبراطور الاثيوبي الطامح الى ضم اريتريا الى إمبراطورتيه، وسياسة التحريض التي كان يمارسها عن
طريق اذنابه الممثلين في حزب الاتحاد مع اثيوبيا* اندنت*.
وكان لهذه الشروخ الإجتماعية اثرها في
انطلاقة الكفاح المسلح في بداية الستينيات حيث اقتصر العمل النضالي المسلح في
بداياته على العنصر المسلم الا من بعض المسيحيين القلائل الذين التحقوا بالثورة في
بداياتها، وفي منتصف السبعينيات التي كان
فيها التدفق كبيرا بحيث لم تستطيع جبهة التحرير استيعابهم والتعامل معه بصورة ايجابية نتيجة للعوامل الثقافية وعدم توافر
الثقة، لذا كان من احدى اسباب دخول جبهة التحرير السودان .
وبعد استفراد الجبهة الشعبية بالساحة وحتى
تحريرها البلاد لم تتغير عقلية التأزيم القديمة التي بنت عليه منفستو نشأتها، اذا
طغت الطائفية على مجمل التصور للدولة، لذا كان كل همها التركز في كيفية فرض لغتها
على الجميع لتسود حكماً وثقافةً، معتقدة ان فرض الامر الواقع هو خير وسيلة لإنجاز
المهمة، مستدله بتفرد اللغة الامهرية في اثيوبيا على الرغم من ان المتحدثين بها ليسوا
بأكثرية، ولكن طول فترة حكم اباطرة الامهر في العقود الاخيرة جعل منها لغة الدولة الرسمية واكثر ما فعله *الإهودق* الحزب
الحاكم هو السماح بالتدريس باللغات المحلية في مختلف الاقاليم، لان منابع
التجرينية والامهرية واحد، اضافة للعامل الديني الذي يجمع التجراي والامهرا، وهم الذين
تعاقبوا على حكم اثيوبيا على مر السنين، وبالرغم من اختلاف البيئة والمحيط بين
البلدين أرادوا طائفي الشعبية اسقاطه على الواقع الإرتري.
وقد
اصبحت اللغة العربية تمثل للبعض عقدة نفسية، تظهر كل مرة على الساحة وتقف عائقاً
حتى على مستوى تنظيمات المعارضة، لان البعض يجهل او يتعمد ذلك، وما يجب توضيحه ان اللغة العربية والدين هما
الهوية الثقافية والفكرية لعموم مسلمي إريتريا، وبدون احترام لهذه الهوية لا يمكن
ان يأتي استقرار في البلاد، وما يجب التأكيد عليه ان الاسلام لا يمكن فكه عن
العربية، لذا من الاستحالة المساومة او التنازل عنهما مهما بلغت الضغوط المغريات، لآنها
تمثل عامل وحدة لكل مسلمي إريتريا، وتنازل كل قومية عن لغتها او لهجتها يجب ان ينظر
اليه في جانبه الايجابي، بانه يأتي في اطار تجسير الهوة بين مختلف المكونات وتحجيم
فرص الاختلاف قدر الامكان، بما يساعد على تقليص حدة التباين الثقافي، وهذا يساعد
على بناء مؤسسات الدولة الوطنية، من خلال
تقليص عوامل الفرقة والتشرذم، واقصد هنا بالدولة التي لا يتم التمييز بين افراد المجتمع فيها على
حسب الدين او العرق، وليس في دولة الكرتون حاملة الشعارات البراقة لتي لا تصمد
امام أي عاصفة من مواطنيها الا بقوة القتل والبطش، ولنصل لذلك يجب ان نترك
المماحكات المتمثلة في القول بانها لغة متغربة في إريتريا وهذا غير صحيح على
الإطلاق، فرضاً حتي ولو كانت كذلك فما الضير اذ كانت تمثل خيار اكثر من نصف الشعب ؟
حتما يجب ان تحترم ارادته في هذا الخيار ولكي نصل الى هذا المستوى من الاحترام المتبادل،
يجب ان نتحدث في المؤتمرات واللقاءات والفاعليات التي تقيمها اطراف المعارضة لكي ننتهي
من جدلية هذا الصراع الى الابد، بصراحة الناصح وليس بلسان الدبلوماسي لان بناء
الوطن لا يحتاج الى استغفال للبعض او استبهال من البعض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق