18.04.2012م
مدخل : قد بلغ علم الجميع مدى التأثير الكارثي الذي أحدثته النظم الديكتاتورية في دول العالم الثالث والمتقدم عموماً و إرتريا خصوصاً ، أي ماأحدثته نظم دمج السلطات السيادية بالسياسية بصورة متجاوزة للأصول (الشعب) ومعبرة عن قيم إستعمارية إنعزلت بسببها الشعوب الإنسانية عن إتيان شئونها العامة بل والخاصة لفراغ يدها من أية صلاحيات سيادية لحماية مكتسباتها التأريخية والثقافية والسيادية ، بحجة أن السلطة التنظيمية (السلطة السيادية والسياسية) يجب أن تتجمع في يد النائب ، وبهذا تحول النائب من وضعيته العادية كموظف الى وضعية أخرى أشبه بالأسطورية حيث أصبح يملك شرعية أكثر صلاحية من الشعب نفسه(صاحب الأمر والنهي)، وكأننا بذلك عدنا القهقري الى العصور المظلمة وعلى مقربة من عصر الكهوف والدينياصورات المنقرضة. وإن يكن ذلك فإن تحديد معالم نظام عادل يتجاوز (المرحلة الديكتاتورية) مرحلة إسقاط وجود الشعب عن عرشه وتنصيب وجود آخر مكانه (النواب) هو المخرج الأساسي من الأزمة الإنسانية التي تعانيها الشعوب اليوم عامة والشعب الإرتري خاصة، فماعانيناه منذ صبيحة الإستقلال وحتى الآن لم يكن فقط لأن إسياس أفورقي جعل المسار التنظيمي الإرتري ينحرف 180 درجة عن غايته الثورية التحررية التي إنطلق الشعب الإرتري بكامل مكوناته الإجتماعية لتحقيقها طلباً للإنعتاق من آليات الإخضاع القسري (سوى كانت آليات أجنبية أو تدعي الوطنية) ، بل لأن العالم من حولنا كله أصبح يئن مثلنا من وطأة الديكتاتورية المقنعة بشعار الديمقراطية الزائف ، ومن الطبيعي أن ينالنا من معاناة الشعوب الأخرى نصيب ، ومن أجل إستعادة زمام الأمر وتعديل الوضع المعكوس وتوجيه مقود حراكنا التنظيمي نحو غايته الثورية التحررية الساقطة اليوم عن طاولة أدائنا التنظيمي ونضالنا الحالي ، كان لابد من تحديد مفصل الأزمة أي (الجزء) الذي بمعالجته تستعيد أجزاء حياتنا الأخرى عافيتها وسلامتها ، وعليه جاء تشخيصنا للأزمة على أنها تكمن في عملية الدمج القسري لوظيفة السلطتين السيادية والسياسية وجاء العلاج كنتاج لتحديدنا الدوافع على النحو التالي: المحدد الأول : الدافع السياسي لم يكن ولن يكون من حق أحد أن يتجاوز الجماعة ويخرج على مقرراتها وقانونها ونظامها الأساسي العادل حتى وإن حدث هذا الخروج تحت رآية العلماء والفلاسفة أو رآية الزعماء والقيادات التأريخية، لأنه من الجهل والضعف والهوان أن نجامل أحد في تزوير حقنا الشرعي المرتبط بتوفير قاعدة التوازن للحياة العادلة الطبيعية التي بدونها تنحرف الحياة الإجتماعية وتتحول الى غابة لا تنصاع فيها الإَّ الى القوة والتهديد ، ويصبح فيها القوي سيد الآخرين والضعيف عبداً خاضعاً للأقوياء دائماً وأبدا ، ومن الخزي والعار والخوف والجبن أن نتجاهل من يسمي هذا الزيف وهذا الإزلال والإخضاع القسري للإرادة الشعبية عدالة القانون وكمال التنظيم السياسي بينما نرى الضعفاء من أبناء شعبنا الأبي يئنون ويسخطون دون حول لهم ولا قوة على إحداث التغيير فهل نحن كذلك ، وللتأكيد على عدم وجود عدالة قانونية وراء هذا الزيف المسمى ديمقراطية غربية سأعكس لكم الوضع على الأقوياء كخيار ديمقراطي (ليذوقوا وضعية الضعفاء لبرهة) ... انظر...!؟ كيف يضجون ويطالبوا بالتعديل ويستخدمون قوتهم لاستعادة حقوقهم الماسية لحظة ضياعها منهم حتى ينالوها مجدداً وبالكامل فياللعجب والسخرية ، وعليه ننطلق قاصدين من هذا الوعي التأريخي ومؤمنين بضرورة تصحيح القاعدة التنظيمية المنحرفة هذه من خلال بث قيم تنظيمية جديدة غير مطبقة اليوم على أرض الواقع وغيابها يدل بوضوح على الشرخ الذي أصاب الديمقراطية : الشرخ الأول :(الديمقراطية التقليدية (النموزج الغربي)): يتمثل في الطريقة التعسفية التي تُمَارس بها الديمقراطية اليوم وفق هذا النموزج الذي يدْعَم حقوق النخبة ويُهْمِل الحقوق العامة للشعب الذي يغيب عن وعيه حقيقة الممارسة السياسية ، ولعل هذا الدور أصبح يُمَارس بصورة عامة على كافة شعوب العالم وليس حصراً في إرتريا ، فالتعبير الديمقراطي يشير فقط الى حقوق التعددية السياسية أي تعدد الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم أو المتداولة له، فأين المساحة المخصصة للشعب ، هل من العدل أن تحكم القلة وتكتفي الأغلبية بالتظاهر والصياح والوقوف طوابير لساعات طويلة على حساب مصالحهم وحقوقهم الأخرى الضائعة ... أي سلوك ديمقراطي هذا ؟؟؟! ، لماذ لا يقف نواب البرلمان من عضوية الأحزاب في مثل هذه الطوابير لساعات كي يطالبوا الشعب إنتخابهم لعضوية البرلمان مع كل دورة إنتخابية أو تصبح هذه طريقتهم لإتخاذ أي قرار لإفتقارهم حقاً الصلاحيات السيادية التي لدى الشعب (صلاحيات المؤسس أو المالك) إن أردنا التعامل مع الواقع الحقيقي لعملية التنظيم لا التعامل مع الواقع الوهمي الزائف الذي تم فرضه على الشعوب بالقوة ، ومن يتعجب من هذا النقد اللازع من لدنا فلينظر ما يحدث للمتظاهرون من قبل الشرطة ورجال الأمن (!!!!!؟) ليدرك حقيقة الديكتاتورية التنظيمية المقنعة بمظاهر شكلية لا تمت الى الديمقراطية بصلة . الشرخ الثاني :(العقد الإجتماعي (وثيقة الحكم)) : أين هي بنود الوثيقة التاريخية للحكم الديمقراطي التي تعتبر حقاً ملزمة لجميع الأطراف وخاصةً الحكومة كقانون دستوري (أساسي) تستمد منه جميع القوانين حكمها وتأصيلها ، لا يوجد عقد حقيقي يتم توثيقه كأساس قانوني للحكم سوى تلك البنود التي تحمي حقوق السلطة (الديناصورية الخالدة) ولذلك إستحقت أن يتوج عرشها بُدْمَج السلطتين السيادية والسياسية لأن المشرع لهذا العقد من النخبة وله مصلحة في الحكم ليس أكثر ، وبهذا الدمج أصبحت أعمال السيادة من حق النخبة الحاكمة كإمتيازات ماسية تضاف لأعمال السياسة الذهبية تلك التي أُنْتُخِبَتْ من قبل الشعب لتقوم بإدارة شئونها بصورة مهنية وفنية ليس أكثر ، أما إنتقال أطماع النواب الى حد الحديث عن حقهم في أعمال السيادة المخصصة للشعب (أو نوابه الغير منتمين للأحزاب السياسية) فهذا هو ما نسميه مدخل رئيسي لديكتاتورية الحكم وأزمة الشعب ، وبتساهلنا وعدم تصدينا لهذا السلوك الغير ديمقراطي يمنح هؤلاء الطامعين حقوق إضافية ، لينكشف الغطاء بذلك عن مشهد (الإنتخابات العامة) الساعية لتلميع نواب البرلمان أو الرئاسة ، لندرك أنها مجرد مشهد زائف لتأكيد نظرية واهمة عن قداسة النواب من ناحية وررضى الجماهير عن هذا السلوك الغير ديمقراطي من ناحية أخرى، نعم ... هذا هو مظهر الحكم وواقع الأمر ، ومن يتساءل بعد كل هذا عن سبب وصفنا لحصر أعمال السيادة على النواب بسلوك ديكتاتوري نقول ...؟؟؟ هل سمع المتساءل حتى الآن عن وجود توثيق رسمي لعقد قانوني قائم بين نواب يمثلون الشعب ونواب يمثلون الأحزاب السياسية كطرفي علاقة تنظيمية يتحدد من خلالها الصلاحيات السياسية للحكم (أي صلاحيات الموظف المنتخب من قبل حزبه السياسي وتتحدد بناءاً عليه المدة الرسمية اللازمة لقيامه بأعمال السياسة حسب قدراته الفنية) وتتحدد كذلك الصلاحيات السيادية المخصصة لنواب الشعب وحده (ليقوموا بأعمال السيادة) ، فهل حقاً نحن نؤمن بأن بسيادة الشعب بمعنى لا وجود لمن يشاركه هذه المنزلة (الحكم) لأنه المالك الحصري للمؤسسة التنظيمية (الدولة) ومصدر السلطات جميعها، إذاً ... كيف يعقل أن تكون أنت صاحب المؤسسة بينما ينص العقد الإداري بتنفيذ آليات حجر تنظيمي عليك أشبه بالحجرالصحي وذلك لتوظيف النائب ليحل محلك (ويصبح الوريث لك قبل مماتك أو قبل أن تفقد عقلك أو تعلن عن تنازلك الصريح عن المؤسسة من خلال مقايضة قانونية عادلة (حتى)) ، كيف يعقل ذلك ونحن ندرك أن الموظف(السياسي) هو مجرد عامل (فني) لدى المؤسس للمنظمة (أي صاحبها ومالكها) وعليه لا يحق لمن هو كذلك (بأي حال من الأحوال) الإدعاء بأن المالك قد تنازل له عن صلاحيات المؤسس التي تخول لمن يحصل عليها إمتلاك صلاحيات السيادة الحصرية أي القيام بأعمال السيادة، بإختصار إن عملية إحلال النائب محل المالك (الشعب) إحلالاً شاملاً غير منقوص يعني تهميش كامل لإرادة هذا المالك من قبل شخص موظف فقط لإدارة شئون مؤسسته السياسية وحسب لا من أجل الإستيلاء على المؤسسة بكاملها ونزع كل صلاحيات المالك عنها ، هذا ما يجعلنا ننظر الى الأمر على أنه إستعمار ليس أكثر ، والنظام الديمقراطي الذي يقوم على تمهيد الأرضية للإدعاء بذلك لصالح النائب يفقد مصداقيته ،فهل لازال التساؤل السابق قائم..؟ (لماذا هو نظام ديكتاتوري ...؟) بالتأكيد ليس قائماً الآن خاصة بعد إدراكنا ديكتاتورية المفهوم (الديمقراطي) الذي يرفض أن يعترف بحق الشعب السيادي كمالك حصري للمؤسسة التنظيمية التي تشكلت لخدمة مصالحه وحقوقه ومكانته التنظيمية العليا فقط، فأين هي الديمقراطية ونحن لا نرى سوى سلوك مؤسسات ديكتاتورية تتقمص ثياب الديمقراطية. الحل المقترح:(الديمقراطية البديلة (النموزج الإرتري)) : الديمقراطية البديلة تتميز بكونها تدير الحراك التنظيمي للدولة بلا إنتخابات عامة خاصة بالنواب وبلا دمج بين السلطتين السياسية والسيادية ، كما أنها لا نستطيع وصفها (وفق هذا النموزج) بأنها ديمقراطية مباشر لأن هناك من ينوب عن الشعب لأداء وظيفته السيادية(عبر نواب الشعب) والسياسية(عبر نواب الأحزاب)... بصورة منفصلة !!! ، أي أن البناء التنظيمي للدولة يتشكل من قائمتين رئيسيتين لكل منهما مهام منفصلة عن الآخر ، فالأحزاب السياسية عندما تنتخب نوابها للبرلمان ومن ثم الحكومة عبر التصعيد لعضوية المؤتمر الوطني لا ينتظرها سوى الدور السياسي للحكم ، بينما ينفرد بالدور السيادي نواب آخرين هم أعضاء المؤتمرات المفتوحة المصعدين للمؤتمر التأسيسي ، أي يتم تأطير جميع أفراد الشعب الإرتري داخل هذا الإطار التنظيمي (المؤتمرات المفتوحة) ليعبروا عن فاعلية الكيان التنظيمي للشعب ، وبالتالي عن إمتلاكه صلاحيات مقدرة لحفظ ماء وجهه السيادي وحقوق الحصانة الشرعية التأريخية، حيث يتم ترقية عضوية المؤتمرات المفتوحة عبرآليات تصعيدية من عضوية المؤتمرالمفتوح فرع الحي والمحلية والمنطقة والقرية والإقليم الى مستوى القطر أي الى عضوية مؤتمرالشعب المفتوح (أو المؤتمر التأسيسي) الذي يضم ممثلين من كافة المستويات الجغرافية في الدولة ، ومن خلال هذا المؤتمر (التأسيسي) يتم إنتخاب نواب الشعب الذين لاينتمون الى عضوية الأحزاب السياسية ، ليمارسوا صلاحيات الشعب الإرتري السيادية في الرقابة اللصيقة والمصادقة الدقيقة لكل الإجراءات التفصيلية على مستويات الحكم المختلفة (الرئاسة والوزارة والخدمة العامة) ، وذلك بتصعيدهم من داخل المؤتمر الى عضوية الجمعية التأسيسية التي تعتبر الشق السيادي للبرلمان الإرتري المخصص لنواب الشعب ، حيث يتفرع عن هذه الجمعية مكاتب فرعية (هي مكاتب الرقابة الدستورية) تعمل كجزء من الهيكل الإداري العام لمؤسسات الدولة المختلفة (على مستوى المحلية والمنطقة والإقليم والقطر) ويتم تصعيد المختارين من عضوية المؤتمرات المفتوحة مباشرة لعضويتها حسب التقسيمات الجغرافية التابعة لها ،أما الشق السياسي للبرلمان الإرتري فمخصص لنواب الأحزاب السياسية ويدعى الجمعية التشريعية ، هذا الجزء يتم تصعيد عضويته من المؤتمرات الداخلية للأحزاب السياسية الى مستوى المؤتمر الوطني الجامع لعضوية جميع الأحزاب السياسية المسجلة ، حيث يعتبر كل الأحزاب المسجلة عضوة في البرلمان الإرتري (الجمعية الوطنية) أما عضوية الحكومة (مجلس الوزراء) فتتشكل من ثلث مجموع عضوية الأحزاب المسجلة (إذا كان مجموعها فردي) وربع مجموعها إذا كان المجموع زوجي ، ويترك الأمر للمعالجة الداخلية حسب التوافق التنظيمي بينهم ، وتجرى قرعة الإنتخاب من خلال القرعة السرية بحيث يكتب كل فرد مشارك قائمة بأسماء الأحزاب التي يختارها لعضوية الحكومة على ورقة الإقتراع حسب النسبة المحددة (الثلث أو الربع أو غيره) ويقوم بتسليمها لسكرتارية المؤتمر، وأكبر نسبة من الأصوات يحصل عليها الحزب تتشكل رئاسة المجلس الوزراي من عضويته وأما بقية الأحزاب الحاصلة على أصوات أدنى تحظى بالمقاعد المتبقية في المجلس حسب الترتيب الذي حددته القرعة ، بحيث تكون أولوية الحقائب الوزارية لمن يملك صوت أكبر من الآخر ثم الأقل فالأقل. هكذا نتجاوز مرحلة العبث بأوراق الإنتخابات العامة وتحميل الشعب حملاً يفوق طاقته بوقوفه طوابير من أجل إنجاز هذه الخطوات البسيطة التي يمكننا إجراءها بهذه البساطة داخل مؤتمرات متخصصة لهذا الغرض لتنتهي أزمة التسويق وحملات التشهير والصراع غير اللازمة والتي تعتبر إنصرافية ، لأن الغاية من الإنتخاب هو خدمة الشعب والقيام بواجب نحوه لا تحويل مجرى الوظيفة الى حلبة تتويج تدفع النواب للسير في طريق منحرف عن الغاية الأساسية . المحدد الثاني : الدافع القانوني : إن وجود مكاتب الرقابة والمصادقة الدستورية كتعبير عن وجود سلطة سيادية منفصلة عن السلطة السياسية داخل الهياكل الإدارية لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية ، يمنع بالتأكيد حدوث التناقض بين موجهات النصوص القانونية، كوجود نص دستوري أعلى (قانون أساسي) صادر من المؤتمر التأسيسي (أو الجمعية التأسيسية) يكفل الحرية ونص آخر تشريعي أدنى(قانون عادي) صادر عن الجمعية التشريعية أو مجلس الوزراء يهدرها، فبدون هذه الرقابة الدستورية من قبل ممثلي الشعب في الجمعية التأسيسية وآلياتها (مكاتب الرقابة الدستورية العاملة في المستويات الإدارية المختلفة) يمكن ان تتحول الضمانات الواردة في الدساتير والقوانين الأساسية حبرا على ورق . مثال : القاعدة الجنائية الموضوعية هي تعبير يفرض به المشرع إرادته على أعضاء الجماعة يحدد فيه أنواع السلوك التي لا يجوز للأفراد إتيانها مع تقرير جزاء على مخالفتها فإن القاعدة الجنائية الإجرائية هي قاعدة تهدف إلى تحديد وسائل تطبيق قانون العقوبات تتضمن مساساً بالحريات الشخصية. هذه القاعدة بشقيها تتعارض تعارضا كاملا مع الحرية الفردية لان حق الدولة في العقاب وتنظيم وسائل الوصول إليه يعلو الحريات الفردية . فإقرار سلطة الدولة في العقاب قد ينتهي إلى تجريد الفرد من ضمانات حريته .ففي النظام الفاشي القانون يأتي من الدولة ويوجد من اجلها مع كونها لا تخضع لأي مبدأ . وفي النظام النازي المبني على سمو الدولة على الفرد حلت السلطة المطلقة محل سيادة القانون للدولة .وفي النظام الشيوعي القانون هو أداة سياسية في يد الدولة الاشتراكية الذي لا قيمة له إلا من خلال كونه أداة لتحقيق الشرعية الاشتراكية لذلك فان هذه الأنظمة الشمولية حيدت كل القيود التي يمكن أن ترد على سلطة المشرع الجنائي من اجل حماية مصلحة النظام السياسي وتحقيق توجيهاته مما يعني أن منطق القانون ومنطق حقوق الإنسان - في هذه الأنظمة -هما منطقان متعارضان تماماً.. ومن أجل الخروج من هذا التعارض بين القانون الجنائي وحقوق الإنسان يجب أن يكون هناك احتواء متبادل بينهما فكما أن القانون الجنائي يجب أن يحوي حقوق الإنسان حقوق الإنسان بدورها يجب أن تأخذ في الاعتبار مقتضيات وضرورات الحياة في مجتمع منظم. لذلك فان هناك تكاملية بين حقوق الإنسان والقانون الجنائي ويجب أن تحل محل التصادمية بينهما. فالمشروع يجب أن تتنازعه ضرورتان .. ضرورة قمع ومكافحة الجريمة وضرورة حماية الفرد من تعسف الدولة في استعمالها لحقها في العقاب . فلا يجب أن تتغلب مصلحة النظام على الحرية الفردية بشكل مطلق ولا يجب أن يكون هناك إطلاق للحريات بشكل يؤدي للإضرار بالآخرين أو بالنظام العام . وإذا كان الأمر كذلك فإن القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي الذي يهدف إلى مكافحة الجريمة وإخضاع القوة للقانون يمثل حصنا لحماية الفرد ضد الجريمة من ناحية وضد الدولة من ناحية أخرى مادام مبنيا على إحداث توازن بين مصلحتين :مصلحة حماية الآخرين والنظام العام (القيم) ومصلحة حماية الحرية الفردية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:ما هي الكيفية التي يمكن من خلالها إحداث هذا التوازن؟ هذا ما عبرت عنه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حكم لها صدر بتاريخ 23 / 7/ 1968 قررت فيه أن على المشرع الجنائي إيجاد توازن دقيق بين حماية المصلحة العامة للمجتمع واحترام حقوق الإنسان وانه وان كان له تبني قيود على الحريات الفردية إلا أن ذلك يجب أن يكون في مجتمع ديمقراطي وأن تكون هذه القيود مبنية على حاجة ماسة ومتناسبة مع الهدف المشروع الذي يسعي إليه . مما يعني - حسب حكم هذه المحكمة- وجوب تجنب المشرع الإفراط وعدم التدخل إلا لضرورة وبوسائل تتناسب مع المصلحة محل الحماية . وإذا رجعنا إلى وثائق وإعلانات حقوق الإنسان فإننا نجدها قد تضمنت وسيلة أكثر وضوحا لإحداث التوازن داخل القانون الجنائي بنصها على ضمانات احترام الحقوق والحريات الفردية يلتزم المشرع الجنائي بالوقوف عندها عند ممارسته لسلطته في تفعيل القاعدة الجنائية (موضوعية كانت أم إجرائية) . والنص الجنائي الذي ينتهك هذه الضمانات هو نص تعسفي ينتهك التوازن الذي يجب أن يبني عليه القانون الجنائي . بمعني آخر هذه الضمانات يجب أن تشكل مبادئ عامة للقانون الجنائي لا يجوز تجاوزها أيا كانت أداة التشريع فالتطابق بين فئة الحكام والمحكومين لا يلغي الحاجة لضرورة الخضوع لهذه الضمانات ذلك لان هذه المبادئ تهدف لحماية الحرية الفردية سواء كانت أداة التشريع حكومية أو شعبية. وبالتالي فإن سلطة الشعب لا يمكن أن تكون مطلقة أو خالية من القيود .أي أن الشعب ليس له حرية تامة في أن يضع ما يشاء من تشريعات دون ضوابط. والقول بغير ذلك يؤدي إلى استبعاد كافة ضمانات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مما يعني أن النظام الديمقراطي البديل قد يكون اشد تسلطاً واستبدادأً وأكثر قابلية لانتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من الأنظمة التي تدمج السلطتين السيادية والسياسية في يد الحاكم . ذلك لان استبعاد وجود مبادئ عليا يتقيد بها المشرع في النظام الديمقراطي البديل يعني إمكانية فرض عقوبات جماعية لا تتقيد بمبدأ شخصية العقوبة وإقرار عقوبات تسري بأثر رجعي غير متناسبة مع العقل المجرم وبدون حكم قضائي ؟ ووضع قيود على الحريات الفردية بغير ضرورة . وهذا ما لا يمكن قبوله لأن الديمقراطية هي وسيلة للتحرر وليست وسيلة للعسف . لذلك فإن هناك حاجة ماسة لوضع قيود على سلطة التشريع حتى لو كانت أداة التشريع هذه هي الشعب .كما أن حدوث انفصام بين القاعدة الجنائية وهذه القيود ذات الطبيعية الدستورية سيؤدي إلى موت القاعدة الجنائية ولهذا ندعو الى رقابة فعالة لدستورية القوانين من شأنها أن تمنع صدور قوانين مناهضة للحرية (رقابة سابقة)أو تسمح بإلغائها (رقابة لاحقة)على نحو يكفل حدوث تناغم بين قواعد النظام القانوني ويمنع وجود نص دستوري أعلى يكفل الحرية ونص تشريعي أدنى يهدرها فبدون هذه الرقابة يمكن ان تتحول الضمانات الواردة في الدساتير والقوانين الأساسية حبرا على ورق . ولضمان احترام ذلك يتم تأسيس محكمة دستورية تختص بدعم رقابة دستورية القوانين . ولهذا فإن خصوصية النظام الديمقراطي البديل تعالج إشكالية مهمة ( تتمثل في إختلاف إجراءات التبني بالنسبة للقوانين الأساسية والعادية) وذلك بجعل إجراءات تبني القوانين الأساسية لا تختلف عن إجراءات تبني القوانين العادية وبالتالي فان تدرج القاعدة القانونية من قاعدة أساسية إلى قاعدة عادية لا يمكن الاهتداء إليها إلا من خلال (موضوعها) أو من خلال احتواء القانون على نص يشير إلى أنه أساسي لا يجوز الخروج عن إحكامه مما يعني أن السلطة التشريعية تقيد سلطانها بموجهات تشريعية صادرة عن سلطة تأسيسية أعلى منها لإحداث التوازن المنشود بين السلطة السياسية (الحزبية) والسيادية (الشعبية) . على أن هذه الخطوة هي الضمانة التنظيمية الوحيدة لإحداث العدالة المنشودة وهي الجراحة التشريعية الماهرة التي ستمكننا من تجاوز مرحلة جعل السلطة المختصة بإصدار كافة القوانين واحدة ، وسيمكننا أيضاً من منع حدوث اختلاف من حيث الإجراءات والشروط اللازمة لإصدار القوانين الأساسية وتلك اللازمة لإصدار القوانين العادية . فاشتراط وجود جمعية تأسيسية (في البرلمان) منفصلة عن الجمعية التشريعية لتبني أو تعديل القوانين الأساسية تتجاوز مهام الجمعية التشريعية المخولة بإصدار أو تعديل القوانين العادية من شأنه أن يحدث التمايز بين السلطة التشريعية والسلطة التأسيسية داخل النظام القانوني الإرتري وبالتالي يكون أساس الرقابة الدستورية للقوانين متمثلة في تدرج القاعدة القانونية وتكون القيود على من يملك سلطة تقييد الحرية (أي الجهاز التشريعي أو التنفيذي أو القضائي أو العسكري). وفي إطار عدم وجود هذا التمايز بين السلطتين التأسيسية والتشريعية فإن المشرع نفسه الذي أصدر القوانين الأساسية والعادية بإمكانه أن يصدر تشريعات تتعارض معهما ، فمن وضع القيد على سلطته يمكن له أن يزيله ، مما يعنى أنه لا يمكن اعتباره قيداً حقيقياً يحمي الفرد في مواجهة تعسف السلطة ولا يمكن القول بأن المحكمة العليا هي التي تمنعه من إزالة القيد الذي وضعه بمقتضى إرادته بخلاف ما لو كان للمحكمة العليا سلطة إلغاء القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية المخالفة لما وضعته السلطة التأسيسية من ضوابط . باختصار لكي يكون للضوابط المقررة لإحداث التوازن بين المصلحة العامة والحريات الفردية معني وفاعلية يجب - حسب وجهة نظرنا- الخروج من فكرة القيد الذاتي أو الخضوع الإرادي للقانون فسلطان السلطة التشريعية يجب أن يتقيد بإرادة أعلى وهو المدخل الذي دعانا الى المطالبة بجمعية تاسيسية لتمارس هذه السلطة السيادية المعبرة عن سيادة الشعب والمستقلة عن سلطة الأحزاب السياسية. الخاتمة : المبادئ العامة للقانون الدستوري يعرف الدستور على أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق الحكام والمحكومين ، والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، أو هو موجز الإطارات التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية. أسلوب الجمعية التأسيسية يعتبر أسلوب الجمعية التأسيسية هو أحد الأساليب الديمقراطية المتبعة في وضع وانشاء الدساتير، من خلال بيان مضمون هذا الأسلوب، والأسس الفكرية التي يستند إليها، وانتشار هذا الأسلوب، وأنواع الجمعيات التأسيسية، وأخيراً تقدير هذا الأسلوب، وذلك وفق الآتي: مضمون أسلوب الجمعية التأسيسية تعود أصول فكرة الجمعية التأسيسية إلى مبدأ سيادة الأمة ، الذي ينكر أن تكون السيادة في الدولة لغير الأمة، وتعتبر هذه الفكرة في جوهرها تطبيقاً حقيقياً لنظام الديمقراطية التمثيلية أو النيابية.ومن مقتضى هذا الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير أن تقوم الأمة صاحبة السيادة ومصدر كل السلطات, بتفويض ممارسة سيادتها لممثّلين عنها ( وهؤلاء يشكِّلون هيئةً يُطلق عليها اسم المجلس التأسيسي أو الجمعية التأسيسية أو المؤتمر الدستوري ) يتولون باسمها ونيابةً عنها وضع قواعد نظام الحكم في البلاد, بحيث يُعدّ الدستور الذي يصدر عن هذه الهيئة المنتخَبة الممثِّلة للأمة وكأنه صادرٌ عن الأمة بمجملها, وعلى ذلك يكتمل الدستور ويصبح نافذاً بمجرد وضعه وإقراره من قبل هذه الهيئة، ما دامت الأمة قد فوَّضتها بذلك, مما لا يتطلب بعد ذلك عرض وثيقة الدستور على الشعب لاستفتائه فيها أو أخذ موافقته عليها, إذ أنه بمجرد إقرار الهيئة المذكورة للوثيقة الدستورية في صيغتها النهائية, تصبح هذه الوثيقة نافذةً ودون أن يتوقف ذلك على إقرارٍ من أي جهةٍ كانت. الأسس الفكرية التي يستند إليها أسلوب الجمعية التأسيسية كان لفلاسفة القانون الطبيعي وكتَّاب القرن الثامن عشر فضل الدعوة إلى هذا الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير, فقد اعتبروا الدستور بمثابة تحقيقٍ لفكرة العقد الاجتماعي الذي ينشئ الجماعة السياسية ويؤسِّس السلطة العامة فيها, ومن ثم لا يمكن أن يكون الدستور إلا من وضع جميع أفراد الجماعة, أي من صنع الشعب في مجموعه, لا من صنع فئة معينة منه . كما أنهم نادوا بالأخذ بهذا الأسلوب وضرورة جعل الدستور من صنع الشعب بحجة أن الدستور هو مصدر السلطات العامة جميعاً بما فيها السلطة التشريعية . ويترتب على ذلك عدم إمكان إصدار الدستور بواسطة السلطة التشريعية, لأن هذه الأخيرة تستمد سلطتها ووجودها من الدستور, ومن ثم لا يجوز لها أن تضع الدستور أو أن تعدله, فهل يعقل أن تقوم هذه السلطة التي يؤسِّسها الدستور ويهبها الحياة, أن تقوم هي بوضعه ؟! ومن ذلك يخلص هؤلاء الكُتَّاب والفلاسفة إلى ضرورة إتباع وسيلة الجمعية التأسيسية التي تختارها الأمة خصيصاً لوضع الدستور ، ولكننا نضيف إليها ممارسة أعمال السيادة المخصصة للشعب مثل الرقابة اللصيقة والمصادقة الدقيقة لأعمال الحكومة السياسية وقيام الشعب بمهام تأسيسية داخل بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة . الجمعية التأسيسية على النمط الإرتري (المقترح): يتميز هذا النوع من الجمعيات التأسيسية بأنه لايمارس وظيفة مزدوجة, لما لذلك من مضار مستقبلية, حيث يعتبر تركيز السلطات التشريعية والتأسيسية بين أيدي نفس الأشخاص ديكتاتورية قابضة وبنفس القدر يمكننا وصف تركيز السلطات السياسية والسيادية في يد الجهاز الحكومي بأنه ديكتاتورية ، لهذا يبرز النموزج الإرتري (المقترح) بقيام الجمعية التاسيسية بدورها التأسيسي (السيادي) ، أي أنها بعد وضع الدستور لديها كذلك مهام الرقابة الدستورية والمصادقة على الإجراءات التشريعية والتنفيذية والقضائية عبر إجراءات مكاتب الرقابة الدستورية الفرعية، وبالتالي ندرك أنه ليس من إختصاص الجمعية القيام بالأدوار السياسية (التقليدية) المتعلقة بأدوار الحكومة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، وبذلك وحده تمارس السلطة السياسية مهامها المنفصلة بوضوح وشفافية وإستقلالية وبدون الخلط بين مهامها الموكولة والمهام السيادية الموكولة للجمعية التأسيسية (داخل البرلمان) ، وبذلك وحده نحفظ حقوق المجتمع الإرتري السيادية التي كانت من قبل مخبئة تحت قبضة المفهوم التقليدي للسلطة السياسية الحاكمة بصورة تعسفية جامعة لكل الصلاحيات التشريعية والتأسيسية ولكل السلطات السيادية والسياسية ليصبح الشعب مجرد نزيل على أرضه ومستأجر لحقوقه وصلاحياته السيادية حسب شروط ومواصفات الحكم التقليدي . هذا المقال محاولة لتفعيل وعي ثقافي جديد للثورة الشبابية القادمة بعزم لإقتلاع السلطة القهرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق